أتعبتني الحياة .. وقتلتني الذكريات .. وتتطاير الأحلام .. وفقدت الآمال .. وضللت الطريق .. لكني لم أيأس أبدا .
فرقتني الأيام عن أحبابي .. فوجدت روحي تائهة بلا طريق .. تائهة وسط طريق ملأ بالعقبات .. وجاهلة إلي أي طريق أسلك .
تعثرت بالمشاكل .. وكلما ألتقط أنفاسي تعثرت بآخره .. سلسلة من الألم لا تنتهي .. كأنها كتبت علي ليوم مماتي .. لكني لن أيأس .
فجأة بعدما ظننت أن مشاكلي انتهت .. وبدأت أحي بسعادة فقدت أمي .. دون موعد رحلت .. لم تتح لي الفرصة لتوديعها .. لأرتمي بأحضانها وأرتوي من حنانها .
فأعتسرتني الدموع .. وغلقت الأبواب بعيني .. لم تعد تهمني الضحكات .. دفنت أحلامي وسط أحزاني .. لم يعد لها وجود .. فبعد أمي اسودت أيامي .. لم أعد أهتم لحياتي .
دوامة سقت إليها .. حصرتني الأشباح من كل جانب .. تقاذفتني من يد ليد بلا رحمة .. ونهشوا جسدي بمخالبهم .
لم يكتفوا توغلوا لعقلي .. وسمموا أفكاري .. لم يتركوا لي مجال للعودة .. فتخليت عن حلمي الأكبر .. رغم عني تخليت عن حلم كان أكبر زادي .
فجأة الروح انبعثت في جسدي الميت من جديد .. معلنه عودتي سالمة من موت محتوم .
أيقظتني عيون طفلي .. أيقظتني من غفوة يأس .. كنت مستسلمة لا رغبت لي في العيش .. فلا طعم لزاد .. ولا لون لحياة .
فتخليت عن ألمي .. واحتفظت بدموعي داخل كأس .. ذات يوم كان كأس فرحي .. تقاسم أحبابي رشفاته .
لكن لا لدوام بعالمنا .. فالعالم لزوال .. وأيضا ً الفرح والحزن لزوال .
بنظرة تبدلت الأحوال .. فرح و حزن .. دموع و تصفيق .. أبيض وأسود .. أنين و رقصات .. عيون طفل تترقبني .. يترقب لمسة حب تحويه .. ذراع يضمه فيقفز طربا ً .. ويتغني بضحكات حالمة .
أحزاني قذفتني لبعيد .. معلنة ليس لك ِ مكان هنا .. فقلبك معلق بطرفة عين أمير صغير .. ينادي ملكة تخلت عن عرش لم تعتليه بعد .
أحزاني صنعت جدارا ثلجي .. ذوبه حرارة قلب طاهر .. قلب قهر حزن لا يمحي .
مهما كانت آلامي .. فهناك سائل محتاج .. للمسة عطف .. لذا لن أيأس يوما ً .
مهما كانت آلامي .. فعيون صغيري تجذبني لأكون بقربه ..
أم تحميه و ترعاها .. تسهر علي راحته .. تسكنه وسط ضلوعها .. لذا لن أيأس أبدا ً .
رفع خالد الدلو وسكبه علي رأسه ، محاولا تجديد نشاطهم ، وبدأ تنثر بعض المياه عليهم .
خالد :
ـ مياه البئر عذبه .
ليلي :
ـ أنا لا أفهم أي شيء مما يحدث .
سألتها وهي تجثو علي ركبتها بجانبه تملأ زجاجتها بالمياه :
ـ بالنسبة لأي شيء .
ليلي :
ـ نحن نمشي دون توقف منذ ساعة .. ألم تقرري أي الاتجاهات سنسلكها حتى نتجنب الطرق الخطرة .
نظرت إليها وهي لا تبلل عنقها بالمياه لترطب بشرتها ، فأشعة الشمس متوهجه ، تعكس الرمال حرارتها .
ـ أحاول جمع أفكاري .. فعندما أكون في مكان مجهول .. فأنت لا تتأكد من الاتجاه في كل لحظة .
نظرت ليلي حولها ، الرمال الذهبية تحيط بهم ، فراغ لا صوت سوي سفير الرياح .
ـ بالنسبة لك ِ هذا المنظر رائع .. تهوي العزلة والابتعاد عن الناس .. عندما تركنا أصدقاءنا خفت نفقد طريق العودة ..
قطع خالد كلامها :
ـ بما أنك كنت تعرفي .. لما جئت ِ ؟!!!
ـ قررت المغامرة مرة في حياتي .
ـ إذا فالمغامرة هي البحث عن المجهول .. وهذا ما نفعله .
فقالت ليلي وعيناها جامدة :
ـ وكيف تعرفين أنك لا تسلك ِ طريق اللاعودة ؟.
ابتسمت قائلة :
ـ كنت أظن أننا سنجد واحة في الطريق .. وهناك سنعرف الطريق .
ـ ماذا ؟.. أنت تسيري بلا خريطة .. ولا تعرف ِ الطريق .. تسير عشوائيا ً .
ابتسم خالد وهو جالس علي حافة البئر قائلا :
ـ لما أنت ِ خائفة .. لا تقلقي أن تأخرنا سيبحثوا عنا .
ـ غير مصدقة .. أعصابكم باردة .
سألتها نوال وهي تخرج من حقيبتها كيسا ً من البطاطس المقرمشة :
ـ هل تريد أن تأكل ِ بطاطس ؟ .. أعرف أنك تحبيه .
حاولت آلا ترتعب أكثر ، تقدمت وأخذت تتناول البطاطس لعلها تهدئ قليلا ً .
فسألها خالد :
ـ آلا تخاف من ضياعنا .
ـ لا أخاف .
فتعجبت ليلي بهدوءها :
ـ كيف تعرف ِ أننا نسير في الطريق الصحيح .
ـ احساسي يخبرني أننا في الطريق الصحيح .. هيا لنكمل الطريق .
ـ لما جئت معكم .. أنتم مجانين .. تريدوا خوض مغامرة بعيدا عن الأصدقاء والأهل .
فقال خالد :
ـ لا يهم الضياع .. المهم أعز أصدقائي مع .
فردت ليلي :
ـ لن تدوم هذه الصداقة .. في المستقبل كلا منكم سيرتبط .. وقتها لن يقبل الطرف الآخر هذه الصداقة .. المجتمع لم يتقبلها بعد هو سيتقبلها .
فقال خالد :
ـ أعرف الأمر مستحيل .. فعالمنا الرقي لا يتقبل الصداقة بين شاب وفتاة .. لكن الزمن اتغير .
ليلي :
ـ صداقة مستحيل دائما ما تتخطي العلاقة الصداقة .. تتحول كثيرا لحب .
نوال :
ـ نحن أصدقاء منذ زمن ولم يحدث جديد .. صداقة فقط .
ليلي :
ـ لكن لو ارتبطت بفتاة وطلبت منك فسخ صداقتك بنا .. وقتها أيهما تختار .
ـ لا أعرف .. ولم أفكر .
ـ وأنت نوال .
ـ صداقتنا بالنسبة لي أمر لا يقبل النقاش فيه .
ـ لكن لو عشقي شاب ورفض صداقتكم .. وقتها ستخسري حبيبك أم صديقك ؟.
ـ وقتها لن يكون حبيبي .. الحبيب هو من يقبل حبيبه كما هو .. لا يغيره .. حبيبي ممكن يتركني في أصعب أوقاتي .. لكن صديقي فبلا .
ـ مجرد كلام علي البر .. لم تذوقي لوعة الحب بعد .. وقتها لن تقدري علي فراقه لحظة .
ـ سواء علي البر أو فيي العمق .. رأي موحد .. الصداقة مقدسه عندي لا اسمح لأحد التكلم فيها .. وأنت من تختاري .
ـ حبيبي .. أولا ً مجتمعنا يرفض هذه الصداقة .. ثانيا العشق له مذاق يستحيل التخلي عنه .. من ذاق حلاوته .. لا يستهوي مرارته .
حبيبي سيقبلني بكل عيوبي وليس صديقي .. فالصديق دائما لا يري من صديقه إلا عيوبه .. دائما ً بينهم تنافس وغيره .. أما الحبيب فبلا .
نوال :
ـ هذا منظورك للصديقة .. إلا تري في سوي العيوب .
ـ أنا لم أقصدك .
قطعها خالد :
ـ أنت مخطئه .. الحبيب غيرته تقتل أكثر ما تحي .. أما غيرة الصديق تنفع أكثر ما تضر .. تدفعه لأمام .
ليلي :
ـ لكن أحيانا تدمره .. تكسره وتجفف أوراقه .. تغمره بالدموع .. وتدفعه للجنون .
نوال :
ـ صعب المقارنة .. أنا اخترت الصديق .. وسيأتي الوقت وتتغير فكرتنا ونصدق أن للصداقة قوة وسحر التخلي عنها .. سواء بين شاب وفتاة .. أو العكس .
خالد :
ـ وأنا معك .. اتفقنا أم لا .. لن اتخل عن فكري .
ليلي :
ـ أما أنا لن اتخل عن فكرة الحبيب يكسب .
تفقوا عن الكلام ، استسلموا لليأس والتعب ، الطرق متشابه ، والرمال تحيط بهم ، لا جديد سوي همس الرياح ، ونسيم الهواء الخفيف يرطب أجسادهم الغارقة في عرقهم .
أهلكهم الكلام وطول الطريق ، سقطوا علي الرمال الحارة ، تاركين لأجسادهم العنان لترتاح ، مستسلمين للنوم ، كلا يفكر أيهما يتخلي صديقه أم حبيبه .
ـ حسنا ً أراك غدا .ً
فقالت سمر :
ـ ما رد فعل والدك ؟.
ـ يبدو عليه الرضا .
فقالت روجينا :
ـ هذه بشري سارة .. الرضا أول علامات القبول .
ـ يا رب يوافق ولا يرفض .
فقالت ليلي :
ـ سيوافق بدون شك .. والدك لن يرفضه بسبب أمواله .. آلا تذكري رفضه لزميلك بسبب فقره .. رغم شدة ذكاءه وأخلاقه العالية .. المال ثم المال .. لا الحب والإعجاب .
ـ لا أعرف ما أقول .. كلامك صحيح .. الحب عنده ليس مهم .. المهم كم يكسب في الدقيقة .. لا ينظر للغد .. ينظر تحت قدمه فقط .. الوقت حان كي ننزل وسأخبركم بالجديد .
ـ تصبحي علي حب .
هكذا نزل كلاً منا لشقته ، دخلت لأجد أبي بانتظاري في الصالة ، وجهه مشرق مبتسم ، يحمل بين يده ساعة ذهبية جديدة .
ـ لمن هذه أبي ؟ .. مؤكد لأمي .
ـ لا لك ِ .
ـ بأي مناسبة .
لدي مناسبة رائعة .. بمناسبة خطوبتك .
ـ خطوبتي .. علي من ؟.
ـ علي المهندس وسام .. مديرك وصاحب الشركة .
ـ متى تقدم لخطبتي ؟ .. وكيف وافقت دون أخذ رأي ؟ .. أليس هذا زواج .. ليس لعبة تشترها من المتجر ونرميها بمجرد الانتهاء منها .
ـ عندك حق ولكني وجدته مناسب .. شاب وسيم .. ثري .. متعلم .. حاصل علي الدكتوراه في الهندسة .. وأري بينكم مودة .. فما المانع إذا ؟.
ـ حسنا ً أبي لك ما تريد .
ـ سأخبره بموافقتك غدا ً .
لا أعرف لما وافقته بهذه السهولة ، ولكني أحببته لذا وافقته دون جدلا ً ، اتصل أبي وأخبره بموافقتي ، وصف لي أبي صيحة وضحكاته ، كان كالمجنون ، حبه جمل عالمي ، ملأه شوق وحنان وأمل في المستقبل .
خالد :
ـ مياه البئر عذبه .
ليلي :
ـ أنا لا أفهم أي شيء مما يحدث .
سألتها وهي تجثو علي ركبتها بجانبه تملأ زجاجتها بالمياه :
ـ بالنسبة لأي شيء .
ليلي :
ـ نحن نمشي دون توقف منذ ساعة .. ألم تقرري أي الاتجاهات سنسلكها حتى نتجنب الطرق الخطرة .
نظرت إليها وهي لا تبلل عنقها بالمياه لترطب بشرتها ، فأشعة الشمس متوهجه ، تعكس الرمال حرارتها .
ـ أحاول جمع أفكاري .. فعندما أكون في مكان مجهول .. فأنت لا تتأكد من الاتجاه في كل لحظة .
نظرت ليلي حولها ، الرمال الذهبية تحيط بهم ، فراغ لا صوت سوي سفير الرياح .
ـ بالنسبة لك ِ هذا المنظر رائع .. تهوي العزلة والابتعاد عن الناس .. عندما تركنا أصدقاءنا خفت نفقد طريق العودة ..
قطع خالد كلامها :
ـ بما أنك كنت تعرفي .. لما جئت ِ ؟!!!
ـ قررت المغامرة مرة في حياتي .
ـ إذا فالمغامرة هي البحث عن المجهول .. وهذا ما نفعله .
فقالت ليلي وعيناها جامدة :
ـ وكيف تعرفين أنك لا تسلك ِ طريق اللاعودة ؟.
ابتسمت قائلة :
ـ كنت أظن أننا سنجد واحة في الطريق .. وهناك سنعرف الطريق .
ـ ماذا ؟.. أنت تسيري بلا خريطة .. ولا تعرف ِ الطريق .. تسير عشوائيا ً .
ابتسم خالد وهو جالس علي حافة البئر قائلا :
ـ لما أنت ِ خائفة .. لا تقلقي أن تأخرنا سيبحثوا عنا .
ـ غير مصدقة .. أعصابكم باردة .
سألتها نوال وهي تخرج من حقيبتها كيسا ً من البطاطس المقرمشة :
ـ هل تريد أن تأكل ِ بطاطس ؟ .. أعرف أنك تحبيه .
حاولت آلا ترتعب أكثر ، تقدمت وأخذت تتناول البطاطس لعلها تهدئ قليلا ً .
فسألها خالد :
ـ آلا تخاف من ضياعنا .
ـ لا أخاف .
فتعجبت ليلي بهدوءها :
ـ كيف تعرف ِ أننا نسير في الطريق الصحيح .
ـ احساسي يخبرني أننا في الطريق الصحيح .. هيا لنكمل الطريق .
ـ لما جئت معكم .. أنتم مجانين .. تريدوا خوض مغامرة بعيدا عن الأصدقاء والأهل .
فقال خالد :
ـ لا يهم الضياع .. المهم أعز أصدقائي مع .
فردت ليلي :
ـ لن تدوم هذه الصداقة .. في المستقبل كلا منكم سيرتبط .. وقتها لن يقبل الطرف الآخر هذه الصداقة .. المجتمع لم يتقبلها بعد هو سيتقبلها .
فقال خالد :
ـ أعرف الأمر مستحيل .. فعالمنا الرقي لا يتقبل الصداقة بين شاب وفتاة .. لكن الزمن اتغير .
ليلي :
ـ صداقة مستحيل دائما ما تتخطي العلاقة الصداقة .. تتحول كثيرا لحب .
نوال :
ـ نحن أصدقاء منذ زمن ولم يحدث جديد .. صداقة فقط .
ليلي :
ـ لكن لو ارتبطت بفتاة وطلبت منك فسخ صداقتك بنا .. وقتها أيهما تختار .
ـ لا أعرف .. ولم أفكر .
ـ وأنت نوال .
ـ صداقتنا بالنسبة لي أمر لا يقبل النقاش فيه .
ـ لكن لو عشقي شاب ورفض صداقتكم .. وقتها ستخسري حبيبك أم صديقك ؟.
ـ وقتها لن يكون حبيبي .. الحبيب هو من يقبل حبيبه كما هو .. لا يغيره .. حبيبي ممكن يتركني في أصعب أوقاتي .. لكن صديقي فبلا .
ـ مجرد كلام علي البر .. لم تذوقي لوعة الحب بعد .. وقتها لن تقدري علي فراقه لحظة .
ـ سواء علي البر أو فيي العمق .. رأي موحد .. الصداقة مقدسه عندي لا اسمح لأحد التكلم فيها .. وأنت من تختاري .
ـ حبيبي .. أولا ً مجتمعنا يرفض هذه الصداقة .. ثانيا العشق له مذاق يستحيل التخلي عنه .. من ذاق حلاوته .. لا يستهوي مرارته .
حبيبي سيقبلني بكل عيوبي وليس صديقي .. فالصديق دائما لا يري من صديقه إلا عيوبه .. دائما ً بينهم تنافس وغيره .. أما الحبيب فبلا .
نوال :
ـ هذا منظورك للصديقة .. إلا تري في سوي العيوب .
ـ أنا لم أقصدك .
قطعها خالد :
ـ أنت مخطئه .. الحبيب غيرته تقتل أكثر ما تحي .. أما غيرة الصديق تنفع أكثر ما تضر .. تدفعه لأمام .
ليلي :
ـ لكن أحيانا تدمره .. تكسره وتجفف أوراقه .. تغمره بالدموع .. وتدفعه للجنون .
نوال :
ـ صعب المقارنة .. أنا اخترت الصديق .. وسيأتي الوقت وتتغير فكرتنا ونصدق أن للصداقة قوة وسحر التخلي عنها .. سواء بين شاب وفتاة .. أو العكس .
خالد :
ـ وأنا معك .. اتفقنا أم لا .. لن اتخل عن فكري .
ليلي :
ـ أما أنا لن اتخل عن فكرة الحبيب يكسب .
تفقوا عن الكلام ، استسلموا لليأس والتعب ، الطرق متشابه ، والرمال تحيط بهم ، لا جديد سوي همس الرياح ، ونسيم الهواء الخفيف يرطب أجسادهم الغارقة في عرقهم .
أهلكهم الكلام وطول الطريق ، سقطوا علي الرمال الحارة ، تاركين لأجسادهم العنان لترتاح ، مستسلمين للنوم ، كلا يفكر أيهما يتخلي صديقه أم حبيبه .
ـ حسنا ً أراك غدا .ً
فقالت سمر :
ـ ما رد فعل والدك ؟.
ـ يبدو عليه الرضا .
فقالت روجينا :
ـ هذه بشري سارة .. الرضا أول علامات القبول .
ـ يا رب يوافق ولا يرفض .
فقالت ليلي :
ـ سيوافق بدون شك .. والدك لن يرفضه بسبب أمواله .. آلا تذكري رفضه لزميلك بسبب فقره .. رغم شدة ذكاءه وأخلاقه العالية .. المال ثم المال .. لا الحب والإعجاب .
ـ لا أعرف ما أقول .. كلامك صحيح .. الحب عنده ليس مهم .. المهم كم يكسب في الدقيقة .. لا ينظر للغد .. ينظر تحت قدمه فقط .. الوقت حان كي ننزل وسأخبركم بالجديد .
ـ تصبحي علي حب .
هكذا نزل كلاً منا لشقته ، دخلت لأجد أبي بانتظاري في الصالة ، وجهه مشرق مبتسم ، يحمل بين يده ساعة ذهبية جديدة .
ـ لمن هذه أبي ؟ .. مؤكد لأمي .
ـ لا لك ِ .
ـ بأي مناسبة .
لدي مناسبة رائعة .. بمناسبة خطوبتك .
ـ خطوبتي .. علي من ؟.
ـ علي المهندس وسام .. مديرك وصاحب الشركة .
ـ متى تقدم لخطبتي ؟ .. وكيف وافقت دون أخذ رأي ؟ .. أليس هذا زواج .. ليس لعبة تشترها من المتجر ونرميها بمجرد الانتهاء منها .
ـ عندك حق ولكني وجدته مناسب .. شاب وسيم .. ثري .. متعلم .. حاصل علي الدكتوراه في الهندسة .. وأري بينكم مودة .. فما المانع إذا ؟.
ـ حسنا ً أبي لك ما تريد .
ـ سأخبره بموافقتك غدا ً .
لا أعرف لما وافقته بهذه السهولة ، ولكني أحببته لذا وافقته دون جدلا ً ، اتصل أبي وأخبره بموافقتي ، وصف لي أبي صيحة وضحكاته ، كان كالمجنون ، حبه جمل عالمي ، ملأه شوق وحنان وأمل في المستقبل .
حكايتي قصيرة .. في لم تبدأ سوي بالقليل .. ولدت طفل كفيف .. لم أحظي برؤية الأشكال ولا الألوان .. كل اتصالي بالعالم الخارجي من خلال السمع والتلامس .
والداي لم يقدر لهم إنجاب غيري .. مستواهم متوسط .. فعلوا الكثير كي يجدوا طريقة لعلاجي .. لكنهم لم يجدوا سوي إلحاقي بمدرسة خاصة .
تلقيت تعليمي مثل أي طفل ولكن بطريقة برايل .. حتى وصلت لكلية تربية نوعية .. وتعلمت النحت .. بدأت أصور ما بداخلي من خلال تماثيلي المنحوتة .
لم أفعل كالكثير .. لم أحاول عرض موهبتي علي الناس .. جعلتها حلمي في الظلام .. سري لا يحق لأحد مشاركته معي .. إلا أنني استطعت إبراز قدرتي علي النحت وتشكيل أشكال من الحلي رائعة الجمال .. فعملت مصمم مجوهرات .
أليس ما أقوله صعب .. ولما لا الله يمنح المرء نعم ويأخذ أخري .. ليس منا كامل سوي سيدنا محمد " صلي الله عليه وسلم ".
كنت أشعر بالمستحيل عيش قصة حب كأصدقائي .. ولكن ليس من أمر مستحيل سوي منع الموت .. يأتي دون مبرر .. حينما تعرضت للحادث كانت السعادة بدأت تغازل قلبي .. بدأت أري الألوان وأشعر بأنني أري بوضوح .. حينما دخلت خلود حياتي .
خلود زميلتي في العمل .. حينما رأت أعمالي أصابها الذهول من تفردها .. وأكثر ما أذهلها حينما عرفت أنني كفيف .. لم تصدق فكرت أنني ألاعبها .
قالت لي :
ـ أتمزح معي .. كفاك لعب .
فقلت لها :
ـ والله العظيم أنا كفيف .
فقالت :
ـ أنا آسفة لم أقصد ما قلته .
فقلت لها :
ـ لا عليك ِ .. ستبدأ ِ من الآن العمل معنا .. أليس كذلك .
فقالت :
ـ أجل وستكون أنت مثالي الأعلى .
فقلت لها :
ـ وهذا شرف لي .
بدأت حياتي من جديد .. لم نكن نفترق في العمل .. وأصبحت لقاءاتنا خارج العمل تتوالي .. بدأت ترسم لي العالم .. رأيته لأول مرة من منظور جديد .
لم تكتفي بهذا .. جعلت أحدي صديقاتها تحضر لي جهاز يدعي علي ما أظن " دليل الكفيف " .. موصل بالقمر الصناعي ..يدلني علي الأماكن الموجود بها .. جعلتني أتحرك بحرية أكثر .. استمتعت لم أعد أحتاج لمرافق .
شعرت بقلبي يدغدغه الحب .. ولكني كنت خائفة أكون بالنسبة لها مجرد صديق تساعده فقط .
وفي يوم قررت البوح بما بداخلي :
ـ خلود ما رأيك نتناول العشاء معا ً بأي مكان تحبيه ؟.
فقالت لي :
ـ ولما لا ؟ .. حسنا ً .
وبالفعل ذهبنا لأحدي المطاعم .. وبينما كنا نتناول الطعام قالت لي :
ـ أيمن ما بك يبدو عليك التوتر .. أهناك أمر تريد أخباري به .. أخبرني .
فقلت لها :
ـ أجل ولكن لا أعرف من أين ابدأ .
فقالت لي :
ـ أبدأ من حيث تريد .. أستمع لك .
فقلت لها :
ـ خلود نحن نعرف بعضنا منذ عامان .. أصبحت أعرفك وتعرفيني .. لكني لا اريد اقتصار علاقتنا هكذا .. أحببتك دون أشعر .. أرغب تكوني شريكة حياتي .. أعرف الأمر صعب .. وطلبي لا يناسب إعاقتي .
فقالت :
ـ أنا موافقة .
ـ ماذا تقولي ؟!! .
فكررت :
ـ موافقة علي الزواج منك .. أحببتك حينما تعرفت عليك .. خفت كثيرا ً نظل مجرد زملاء عمل .
ـ وأنا أيضا ً .. ما رايك لو أتيت لطلب يدك ؟.
ـ هناك أمر .. لابد يعرف والديك أولا ً .. بعدها سيأتي الباقي .. ربما لا يوافقوا .
ـ أنا أكثر منك ِ خوف آلا توافق أسرتك .
ـ لا تقلق كنت أكلمهم عنك .. فلاحظوا شعوري نحوك .. ليس عندهم مانع .. والداي معجبان بتحديك الظروف .
ـ ما رأيك لو ذهبنا لمنزل معا ً وأخبرناهم ؟.
صمتت فقلت لها :
ـ لا تقلقي والداي لا يغادروا المنزل بعد الثامنة .. ولو حدث كانوا أخبروني .
ـ حسنا ًًً هيا بنا كي لا أتأخر .
ذهبنا لمنزل وقابلت والداي .. أخبرتهم أنني أريد الزواج منها .. فقالت والدتي :
ـ أتحبها ؟.. وأنت ِ تحبيه ؟.
فقلنا معا ً :
ـ أجل .
فقالت والدتي :
ـ أتعرفي ظروفه جيدا ً ؟ .
فقلت لها :
ـ أجل وهي من أحضرت لي دليل الكفيف .
فقال والدي :
ـ أنت حر وراشد ومسئول عن حياتك .. لكن هناك أمر لا نعرف ما رأيكم فيه .
فقالت خلود :
ـ ما الأمر ؟.
فقال والدي :
ـ نريدك تتزوجوا وتسكنوا هنا .. أنت ابننا الوحيد ولا نستطع الابتعاد عنك .. ما رأيكم ؟.
فقلت :
ـ هذا صعب .
فأوقفتني خلود وقالت :
ـ ولما لا ؟ .. من حقهم آلا تبتعد عنهم .. نجرب وإذا لم نستطع التأقلم وقتها ننتقل للعيش بمفردنا .. ما رأيكم ؟.
فقالت والدتي :
ـ وأنا موافقة ولن نعترض وقتها .
فقالت خلود :
ـ ولكن لدي اقتراح .. أثاث المنزل يحتاج لتغير هكذا يعوق حركته ..لو تغير سيسهل الأمر عليه .
فقالت والدتي :
ـ موافقة .. ولكن أستغيره بأكمله ؟.
فقالت خلود :
ـ لن نستبدل الكثير .. القليل فقط .. أم القديم سنعيد ترتيبه .
هكذا سارت الأمور بيننا .. وأيضا ً مع أسرة خلود .. بدأنا نغير الديكور .. والأكثر جمال أنها خصصت مكان كساحة رقص .. أليس هذا غريب .. كانت مقتنعة بأن الرقص يعالج الاكتئاب .. ويزيد حيوية الجسم .
غيرت حياتي للأحسن ..ولم يعترض والداي .. فتفكرها كان صحيح ومدروس .. لم تقدم علي خطوة من غير تفكير وأخذ رأي الجميع .
وأخيرا ً تزوجنا .. بدأت تتأقلم معنا .. كما أنهم لم يعوقوا خصوصيتنا .. بل كانوا يتاحوها لنا .
وفي يوم تعرضي للحادث اتصلت بي خلود .. لتخبرني بأمنية غالية علي وعلي أسرتي .. أخبرتني بأني سأصبح أب لتوأم .. أليس خبر يكمل سعادتي .
يومها السعادة جعلتني لا أفكر .. ذهبت واشتريت ألعاب .. لكم تخيلت نفسي أب .. ولكني كنت خائف آلا أستطع التعامل معهم .. ولكن الله خير معين .
كنت سائر أفكر بخلود والطفلين .. وفجأة سمعت صوت طلق ناري .. فوجهت رأسي نحوه أحاول معرفة مصدره .. لم تمر ثواني حتى سمعت طلق أخر .. شعرت بشيء أخترق جسدي .. وفي ثواني غبت عن الوعي .
خلال فترة غيابي كنت لا اسمع سوي صوت خلود ووالاي يبكوا .. خطفت من السعادة .. لما سرقت مني .. ماذا ستفعل خلود بمفردها .. حتى أني لم ألمس وجههم .. لم أسمع صوتهم .
خلال الدوامة تملكت نفسي .. قدري ونصيبي .. لو كان الفراق فالحمد لله .. أمي وأبي بصحة جيدة .. طفلي سيشعرونهم بالعزاء.
أعرف أن خلود ستتعذب كثيرا ً .. لكن هذا قدري ولا استطع تغيره .. حتى لو فكرت في الزواج هذا نصيبها .. فلتعش الحياة كما تريد .. لعلها تجد أب صالح لأبنائي .. يعاملهم كأبنائه .. هذا علمه عند الله .. ونصيب .
هذا قدرنا حينما تغازلن السعادة نرحل .. هذا هو الثمن .. ثمن دفعته مقابل قاتل فكر أنني رأيته فأراد جريمة كاملة .. هذا قدري .. لكن الله له خطة أخري .. لم أمت وهنا أحدثكم وأنتم مازلتم في رحم أمكم لم تأتوا للحياة بعد .. مهما كانت حياتنا .. مهما فكرنا أنني نملك الحياة الله لديه يخبأ لنا قدرنا .
أتشوق للملس وجوهكم .. وسماع صوتكم .. أشتاق إليكم قبلما تأتوا .. سأنتظركم فلم تحن ساعتي بعد .