حب مدبر بقلم : أمل جمال النيلي

أهلاً وسهلاً بك‫!‬ إذا كانت هذه أول زيارة لك، يمكنك متابعة آخر مواضيعنا عبر الإشتراك في صفحتنا على الفيسبوك و ذلك بالضغط على الزر

















يتوسط القرص الذهبي سماء قريتنا الصغيرة، مسدلاً ستائره علينا بلون يميل لاحمرار، الصمت يخيم علي الأجواء ، لا صوت سوي زقزقت عصافير مازالت تري النور لأول مرة ، تغرد بصوتها الصافي معلنه عن مجيئها .
الورود تفوح بعطرها علي الأجواء ، والفراشات تتنقل بينما تشتم عبيرها ، الهدوء سيد الموقف ، يتخلله صوت صفير الريح .
فجأة من بعيد سمعت صوت ، صوت ضحكات بنت وصبي صغار لم يتراوح أعمارهم السابعة، يتبادلوا اللعب بكرة حمراء صغيرة .
يمرحوا في سعادة لم يحملوا عبء الحياة بعد ، الحياة عندهم لعب وأكل الحلو ، يشاهدوا الكرتون ويناموا في أحضان أمهاتهم في المساء.
فجأة وبينما كانوا يلعب سقطت جارحه قدمها،أسرع نحوها وعينه تملأها الخوف، يمسك الجرح وهو مقطب الجبين .
ساعدها علي النهوض ، وعيونه متر تعشه متذبذبة ، تتبادل النظر لعيناها والجرح ، وقفت وحينما رآها تسير عاد الابتسامة لعينه علي الرغم من الألم ، سلبت أمها ابتسامته حينما طلبت صعدها، صعدت وتركته عيونه معلقة علي الشرفة .
ذكرتني عيونه بنفسي أنا ورامي، ذات يوم بينما كنا نركب الدراجة فجأة سقطت وجرحت قدمي ، حملني يومها للمنزل وهو يبكي ، رأيت نفس الخوف في عين الصبي .
كنا نلهو معاَ ونتشارك أوقات الحزن والفرح، لا نفترق عن بعضنا البعض، لم اتخذت قرار بمفردي قط، حتى أصدقائي لم أنكن أخرجي لألهو معهم بمفردي، كنا معاً باستمرار، حياتنا واحدة .
رغم دراستي في كلية التربية، ورامي في كلية الهندسة، إلا أننا لم نكن نذهب للجامعة إلا معا ً ، رغم كونه يكبرني عامان، لكن العمر لم يكن عائق أمام صداقتنا.
أري فيه فارس أحلامي الذي أتمنه ألقي ، رامي أماني في هذه الحياة ، عيونه تعطيني الأمل ، مملوءة بالحياة ، وشفتاها لا تغادرها البسمة ، ويدها لا تتركني وقت الحاجة .
لم يعرف قلبي الخوف وأنا معه ، من لا يعرفنا يفكرنا عاشق ومعشوق ، لكن الحقيقة رامي لم يكن ابن عمي فقط ، وإنما أخي الذي أعتمد عليه .
ذات يوم سافر برحلة مع أصدقاءه ولم يأخذني ، لم يعرف قلبي الراحة يومها ، لم أترك الهاتف من يدي ، كل نصف ساعة مكالمة لأطمئن عليه .
لم يكن الأمر مبالغ فيه من ناحيتي فقط ، فعندما مرضت وأجرت عملية الزائدة الدودية رفض الذهاب لبيتهم ، وظل نائم عندنا في البيت ، جالس في الصالة أمام باب غرفتي ، كان عمري وقتها سادسة عشر عام ، لم يرحل سوي حينما أطمئن علي وأصبحت بخير .
كل فتاة كانت تحلم بشريك حياتها ، أما نحن كنا نبحث عن شريك للأخر ، وكلما وجدنا شريك نعرضه علي بعضنا ، لكن كان دائما ً ينقصه شيء مهم .
لم نكن نبحث عن الشكل ، أنما نبحث عن شريك نجد معه الأمان والأمل ، السعادة والرضا ، الحيوية والاستقرار ، نبحث عن شريك يكون طوق النجاة وقت الحاجة إليه ، ليس أناني ولا حقود .
هكذا كانت أيامنا ، كالأطفال نعيش حياتنا ، لا نحمل عبء الغد ، لا نحلم سوي عبء أحلامنا .
الأيام تمر كالمعتاد ، نسعى وراء أحلامنا ، ولقاءات العائلية لا تنقطع ، وفي أحد اللقاءات المعتادة ، كنا أنا ورامي نتسوق بعض الملابس ، وصلنا لنجد بيت عمي عندنا ، سلمنا علي الجميع وجلسنا .
كانوا يتناولوا قدح من الشاي الساخن ، وبهدوء شديدة بدأ عمي "مراد " الكلام :
ـ لما تأخرتم ننتظركم منذ ساعة ؟ .
فقلت :
الزحام هو السبب .. المحلات ممتلأه .. بالكاد انتهينا معا ً .
فقالت أمي :
ـ ولما لم تنفصلوا لتقصروا الوقت ؟ .
فقال رامي :
ـ وأترك هذه العروس بمفردها ليغازلها الشباب مستحيل .
فقال عمي :
ـ رامي عنده حق .. أميرة عروس لا تترك .. لذا طلبت يدها لك .. وعمك وافق و سيتم الزفاف بعد ثلاث أسابيع .
فقال رامي :
ـ ماذا ؟.
يوم لم يكن في الحسبان ،أتي ليعكر حياتنا ويقلبها علي عاقبيها .


..................




كانت الجلسة عائلية عادية ، فجأة تخلي عمي صمته ، قال كلمات لتنزل علينا كمياه ساخنة ، أجلستنا بالدقائق عيوننا مثبته علي الأرض ، ودون أن نشعر رفعنا رؤوسنا لنجد أنفسنا بمفردنا .

سمعت هذه الكلمات ليوقظني من حلم جميل كنت أحي به ...
تملكتنا الدهشة لتكاد توقف قلوبنا..
لم يخطر في ذهني يوما ً بأن الزواج هو جامعنا ليس الصداقة والأخوة..
الأخوة لا تتحول في يوم وليلة لزوج وزوجة ..


:جمدت أعيننا تترقب رد فعل الآخر فقال رامي :


ـ ما قاله أبي منذ قليل كان مزحة .. أليس كذلك ؟.


فقلت :

ـ أتريد أن تفهمني بأنك لم تكن تعرف ؟.

فقال رامي :


ـ ماذا أعرف؟.. أميرة أنت أختي .. وهذا لا يقلل من شأنك .


أنتِ أي شاب يتمني يرتبط بك .. لكني لا أتخيل نكون معا ً .. تتحول صداقتنا للزواج .. مستحيل .


فقلت :


ـ إذا ً أرفض .. وأنا كذلك .


وقفنا لنذهب لنتحدث لأهالينا :


ـ أظن حان الوقت لنرتاح .. فأنا لا أتخيل أن أترك أميرة لشاب يعذبها في حياتها .. رامي سيكون أمين عليها .


هذا كان كلام أبي جعلنا نتوقف مكاننا ، أما عمي قال :


ـ لم يعد هناك أمان .. أميرة ستحافظ علي رامي .. كما أنني لا أتخيل زوجة أخري لرامي غير أميرة .. أري تري الحب في أعينهم .


وقف مكانه لم يتحرك ، نظرنا لبعضنا ولا نعرف ماذا سنفعل ، تركته وهرولت لغرفتي ، هرول ورائي لكن هذه المرة لم يستطع الدخول ورائي كالعادة ، في السابق كنا أخوة أم الآن سنصبحنا أزواج .


وقف أمام باب الغرفة ينظر لي ، وجدت بعينه كلمات كثيرة ، لكنها لا تستطع الصعود من سكنات قلبه ، أنصرف وعينه لا ترفع عن الأرض .


لم يرفض ، لم يستطع ، فالتقاليد الغبية زجت بنا في بحر عميق ليس له نهاية ، لا أعرف هل سننجو ونكون حياة جميلة ، حياة يملأها الحب والسعادة ، أم حياة فاشلة بلا مشاعر ولا تقبل لوجود الأخر.


هل سنستطيع تقبل فكرة الزواج ، هذه هي الفكرة التي نهشت عقلنا ولم نجد لها حل ، لذا لم نملك غير الصمت ، ندفن أحزاننا بداخلنا ونهرب من نظرات الأخر.


مرت الأيام علينا لا نحدث بعضنا ، يهرب كلاً منا من الآخر ، وإذا تلقت الأعين نصمت ، أهذا قدرنا ، لذا الصمت هو سيد الموقف .

كيف سأكون معه في بيت واحد ، كيف سأتحمل يراني من منظور الأزواج ، مستحيل أستطع .. مستحيل .
لم يتوقف عقلي عن التفكير ، أصبحت حياتي جحيم أخافه ، لم أستطع تقبل الأمر ، كفا كفا .
وما زاد الأمر سوء إصرارهم علي النزول معهم لشراء
لشراء مستلزمات الشقة ، كلا منا في عالمه ، لا يشعر بالسعادة التي تملأ الأحباب في مثل موقفنا .
لحظة سعيدة تحلم بها أي فتاة منذ الضغر ، لحظة شراء فستان الزفاف ، الفستان الذي يزيد الفتاة بهاء ، تصبح أميرة علي عرش مملكتها .
جاءت لحظة الفستان الأبيض ، لكم تمنيت ارتداءه ، لكني حينما رأيته أمامي ، كنت أخافه كأن أمامي شبح الموت، وحينما ارتديت شبحي كأنه جم من نار يحرق جسدي.

وقفت أنظر لنفسي في المرأة ، أميرة بلا أمير ، أميرة ستتزوج شبح لو أقترب منها ، سيحرقها بلمساته ، البعاد


هو الحل من الاحتراق .


لم أستطع الخروج ليراها الجميع علي ، نزعته عني وخرجت فقالت أمي :


؟ـ لما لم تخرجي لنراها .


صمت لم أعرف ماذا أقول ، فقال رامي بهدوء :


ـ خافت .. يقولوا رؤية العريس للفستان فأل غير جميل .


نظرت إليه ونزلت علي السلالم وهو ورائي ، تحمله الفتاة وأتمني أن ينزع منها ولا أرتديه مرة أخري .


انتهينا من التسوق ، ركب والداي مع عمي ، أما أنا ركبت مع رامي وفي الخلف شبحي ، ركبت معه وكلما نظرت للخلف أبكي .


لم تتوقف عيوني عن البكاء ، كنت أتسأل أحيانا ً لما لم أعشق من قبل تودد إلي ِ الكثير فلما كنت أرفض ، أمعقول أني أحب رامي كما تقول أمي ، وأن كان فلما لم أشعر بذلك .


فأمسك رامي يد فجذبتها وقلت :


ـ لا تفعلها مرة ثانية .. صمتي لا يعني موافقتي .


فقال رامي :


ـ كنت أريد أطمئنك كالعادة .


فقلت :


ـ لم نعد كالسابق كي تفعل ما كنا نفعل .


فقلت :


ـ لقد وصلنا أحمله أنت ، أنا متعبة وأريد الدخول لغرفتي .


تركته ودخلت غرفتي ، وأغلقتها علي ِ، أطفأت الأنوار ، واحتضنت أحزاني ونمت متخلية عن أي فرحة ممكن تقتحم قلبي المحطم .


ــــــــ ــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ




جاء اليوم الموعود أقام والدانا حفل لم نشهد مثلها من قبل، وجوهنا مرسوم عليها سعادة زائفة، كل منا في جانب من الأخر ، لو رأيتنا لخيل إليك أننا أعداء ، لم أنظر إليه.. كنت خائفة .

لم أكن أرغم في تصديق ما يحدث ، تمنيت الوقوف والصراخ ، تمنيت أهرب من هذا الزواج، لما سكت ولم أتكلم ؟! .
الموسيقي تعلو ويرقص الجميع فرحاً بموتي ، ألهذه الدرجة لا يشعر أحد بي ، ألهذه الدرجة مستقبلي لا يهم أحد .
لأول مرة أري أمي ترقص مع زوجة عمي ، الكل سعيد حتى رامي سار مع التيار ووقف يرقص معهم ، لكن عيونه كانت علي .
لم أحفل بكل هذا ، كنت أريد الهروب من هذا الكابوس ، أصبح كجالية ليس لها حق التكلم بعيت من ثروة العائلة لا تخرج خارجها .
فجأة سكتت الموسيقي ، ليعرف لحن موكب موتي ، أوقفونا وساقونا لموكب جنازتنا ، خلفنا الجميع يضحكوا ويصفقوا .
الزغاريت لا تتوقف ، كانت كصفارة الغرق الذي يصدرها المنقذ علي الشاطئ ، لكني لا أجد منقذي .
ظلوا وراءنا إلي أن أدخلونا لقبرنا ،غريبان في مكان يملأه الخوف والفزع .
أسأستطع التأقلم مع الوضع الجديد ، أم هناك أحداث ستغير وجهة نظري ، ستجعلني أتقبل كوني زوجة لأعز صديق وأخي الأكبر.
كيف ؟ .. لا أعرف لكني لا أستطع التفكير فعقلي أنهك من كثرة الأحداث، جهزوا الشقة وحفل الزفاف بسرعة .
كانت سأصبح في أحسن حال ، لو كان أحد غير رامي ، كنت وقتها سأصبح أميرة فعلا ً ، فأسمي لم يعد له قيمة أميرة بلا أمير لقلبها ، لا يوجد سوي شبح لأيام ماضية .
كنت مرهقة من الضجة والأهل، مبارك.. مبارك كرهتها من كثرة تكررها ، بمجرد دخولنا هربت للغرفة .
كانت بالنسبة لي حصني من العدو القادمة ، لكن عدوي لم ييأس ، تتبعني ووقف خلفي في صمت مطول .

.........................


تشجع وأقترب بهدوء قائلاً:

ـ أميرة.. لم أعرف أبداً بأن الزواج هو جمعنا .. أرجو كي أنظري لي ِ.. ثقي بي لا تخافي .. ثقي بي سنظل كما كنا منذ طفولتنا.. أرجو كي أنظري لي ِ .
وضع يده علي كتفي محاولاً طمئنت ،لكن هذا لم يجدي، خفت وارتعشت، لكني تملكت نفسي قائلة بغضب :
ـ ابتعد عني .. ولا تلمسني فهمت .
فرد وهو يبتعد:
ـ اطمئني لا تخافي .. لن ألمسك أبداً .. صدقيني لن يحدث إلا إذا تحولت الأخوة لحب.. حبا يدخل هذه الأركان الحزينة.. وإن لم يحدث سأتركك إن أردتي .. لن أجبرك في يوم علي شيء .
فقلت :
ـ من تظن نفسك .. بهذه الطريقة يتقنعني نكون أزواج .. مستحيل .
فرد ـ
ـ أميرة استيقظي من غضبك .. أن لم أعرف قط أنهم كانوا يفكروا في تزوجنا لبعض .
تتحدثي كأنك لم تعرفني قط .. ما بك .. كنا نلهو معا ً .. نقضي أجمل الأوقات .. مرت علينا أصعب المواقف ولم تخافي مني قط .. ماذا حاله بك ِ .
ـ تحولت لم تعد صديقي وأخي .. كل ما كان بيننا في السابق لم يكن له مقابل .. أم الآن كل همسة وكلمة وراءها مقابل .
ـ من قال لك ِ هذا .. أنا لست مستغل لهذه الدرجة .
ـ الرجال كلهم هكذا .
ـ أميرة لا تجعلنا أفعل أشياء لن تتوقعها .
أمسك بأنتيك بجانب السرير وقلت :
ـ لو اقتربت مني سأضربك فهمت .
ـ ماذا فهمتي من كلامي ؟.. أنا لم أقصد أقترب منك ِ .
ما قصدته ممكن أترك البيت .. لكن وقتها سأنتهي من هذه المصير .. لكنك ستقع ِ في مشكلة ليس لها نهاية .
ماذا سيقال عليك وقتها .. وماذا سيفعل عمي ؟.. صدقيني .. لو تحليت ِ بالصبر سنمر من هذه العاصفة دون خسارة واحدة .
أنزلت الأنتيك ونظرت إليه وعيوني مدمعة ، تراجعه للخلف في هدوء وانكسار ، لم أراها هكذا من قبل .
كيف تحولنا هكذا ، كنا منذ ثلاث أسابيع علي نحو آخر ، فكرة الزواج هكذا دمرت صداقة وأخوة عمرها عشرين عام ، صداقة منذ كان عمره خمس سنوات .
اطمئنيت قليلاً وجلست أرتاح لبرهة علي السرير ، بينما جلس رامي علي الكرسي ينظر للسماء أمام النافذة ، يحاول الهرب من النظر إلي وأنا أيضا ً.
لم يتوقف عقلي عن التفكير معقول سينفذ ما قاله، ألن يغير كلامه معي مهما كان، هو رجل وزوج.. معقول !! .
الهدوء والتعب أثقل عيوني، أغرقني في بحر الهروب والنسيان، لتمر ساعات الليل دون أن نشعر، كلاً منا يهرب من الآخر .
لم أري حتى ما تحويه الشقة ، لم يكن يهمني هذا قبري ، لا يهم أن كان مزين أم قاتم .
طرقات الأهل، ضحكاتهم تعلو للأفاق، سعادة تعطلي الوجوه، أتوا ليهنوا علي الزواج الميمون .
أيقظنا علي أسوء كابوس ، كابوس الزواج كنا نتمنى يكون مجرد كابوس،وحينما نستيقظ نشرب رشفة ماء وننسي ما رأينا .
هذا ما تمنينها كل هذه المدة الماضية ، لكن الأمر لم يعد هكذا ، لقد أصبح الأمر واقع مؤكد .
أسرع نحوي ليوقظني، استيقظت لأجده أمامي، بدأت يوم لا أعرف نهايته من بدايته.
تملكتني الرعشة مرة ثانية، في خاطري يجول ماذا يريد مني الآن أتغير كلامه ؟.
انكمشت خائفة منه فقال :
ـ لا تخافي .. اطمئني .. سآخذ ملابسي وأبدلها في الغرفة الأخرى .. وأنتي غيري هنا .. أرتدي ملابسي مناسبة لنكمل التمثلية.
نزعنا ملابسنا المزيفة لنرتدي أخري ، ارتديت كأي عروس ولكن لم أكن هكذا ، السعادة لم تكن نابعة من القلب .
هم من أوصلونا لهذه الحالة ، لم يأخذوا في اعتبارهم ما سيحدث لي ، خوف وألم قد يدمرني، أصبحت ضحية مجهولة المصير .

----------------------------------


سرنا نحو الباب ونحن نرسم ابتسامة مزيفة، دخلوا وضحكاتهم وكلمة مبارك لا تتوقف عن التردد.

جلست بجانبه مبتسمة ابتسامة خفيفة ، خائفة من كل شيء ، ليس من رامي وإنما من مفاجأة هذه الجدران المغلقة ، رامي بالنسبة لي أخ فكيف يكون زوجي .
جلست أنظر لعيونهم الفرحة ، عيون ترقص من السعادة ، ألهذه الدرجة عمتهم الأيام ولم يروا دموعي .
لم يفكروا في سبب انكساري ، لم يروا اليأس والألم في عيون رامي .
بالأمس ظننت أنه شبح سيفترسني ، لك أتخيله يتخل عن كل ما هو مباح له من أجل أخوتنا وصداقتنا .
أم هي مجرد كلمات يخدرني بها ، بعدها ينقض علي كالأسد المفترس ، ويحطم كل حلم روته الأيام .
لم أعد أتخيل حتى موصفات فارس أحلامي ، كل ذكرياتي وأحلامي أصبحت سراب ، سراب ضاع ولن يعدوا لأحضاني .
كنت أرمقهم ، لا شيء يشغلهم ، أم رامي عيونه كانت تائه مثلي ، يحملق في كل فرد قليلا ً .
لم أفهم سبب ضحكاتهم وابتسامتهم العريضة ، كنت أراهم ولا أراهم ، عيوني عليها غيمة حزن ، خطفتني وحبستني في خزانة الألم والقهر
خزانة صلبة .. فلازية ، لا تكسر ولا تذوب ، مفتاحها ألقي في عميق المحيط ، لن تفتح مهما حدث .
لن تفتح سوي بانفجار ضخم ،
لكنه سيهدم معه عائلتان وأنساب ، لكن لا سبب لي في ذلك ، أريد الحياة لا الألم والموت .
كيف سأتحمل رحيل هذه اللمه وخلق شرخ يفرقهم للأبد ، مؤكد الفرج قريب .. يا رب .

دائما ً ما يخترق عمي الصمت:

ـ أأنتم بخير ؟ ! .
فرد رامي :
ـ أجل لما أبي ؟! .
فزع رامي من سأل والده خاف أن يكون فهم شيء فقالت والدتي :
ـ وجوهكم شاحبة .
فقال أبي :
ـ صغيرتي ما بكي ؟!.
فقالت والدته :
ـ من الواضح أنهم متعبين .. هيا بنا كي نتركهم ليرتاحوا .
توقف الكلام فجأة، انصرفوا كأنهم غير مدركين لما فعلوا، ألم يتوقعوا وجودي في فراش المرض.
أغلقنا الباب ووقفنا ننظر لبعضنا ، كل واحد يتمني يجد العون عند الأخر .
فقال رامي:
ـ أنا جائع وأنت ِ ؟
فقلت :
ـ أجل كثيرا ً وعندي صداع رهيب .
فقال رامي :
ـ وأنا أيضا ً لما لا نتناول الفطور معاً وبعدما نأخذ قرص مسكن .. .
فقلت :
ــ حسناً لعله يريح عني قليلا ً .. سأعد الفطور حالا ً .
فقال رامي :
ـ سنعده معا ً .
بينما تناول الفطور وبينما أشرب الشاي أمسك يدي قائلاً:
ـ أميرة.. من اليوم سأنام بالغرفة الأخرى .. لكن أرجوك ِ أبقي الملابس كما هي .. كي لا يشكوا في الأمر.
فقلت :
ـ حسنا ً هذا أريح للجميع .
.. .. .. .. ..

مر شهر ولم تتغير حياتنا ، عادت لسابق عهدها ، تلاشي الألم شيء فشيء ، فلم يتخل رامي عن وعده لي ولو لحظة .

التغير كان بسيط ، أصحبنا متواجدين معاً أكثر من ذي قبل ، أراه قبل نومي وأول وجه يصبح علي ، نعد معا ً الطعام ، نتشاجر علي قنوات التلفاز كالسابق ، نتعاون معا ً في أمور المنزل .
أنا تخصصي المطبخ ، ورامي تعد لنا المشروب والمقبلات ، وأحيانا ً يساعدني في ترتيب البيت ، يضع الملابس في المغسلة ، وينظف معي طاولة الطعام بعد الأكل . لم أتخيله يكون متعاون لهذه الدرجة ، في البداية ظننت مساعدته جزء من خططته ، ولكن مع مرور الوقت لم يتغير ، وقتها تأكدت من صدق نواياه .
كلا ً منا عاد لحياته السابقة ، أنا عدت لمشاهدة الأفلام والمسلسلات ، وتصفح الإنترنت ، والتحدث مع أصدقاء ، وأحيانا ً كنت أفكر في العودة لتكملة دراستي ، ولكني كنت أتنزل عن الفكرة ، لم أعد أهوي الدراسة كالسابق .
كنت أجلس بالساعات بمفردي ، لم يكن الملل يتسلل إلي ، أتجول في المنزل ، أغير موضع بعض الأشياء ، وما لا يعجبني أغير ، ورامي لم يكن يعترض أبدا ً ، بالعكس كان يفرح حينما يجدني أغير فيه ، كنت أشعر بنفسُه معي كل لحظة .
اعتادت شيء فشيء علي تواجدنا معا ً ، أصبحت أرتدي ملابسي العادية لكن أغلق بابي علي ، حينما أريد الخروج اتصل وأخبره ، مثلما كنت أفعل قبل هذا الزواج .
أخرج مع أصدقائي ، ويأتوا إلي ، يقابلهم بذوق أكثر مما سبق ، وأحيانا ً حينما كنا نخرج لنغير جو ونلتقي بأحد زملائي ، لم يكن يغضب كالسابق .
شيء فشيء تقبلت الزيارات العائلية ، تغيرت الأوضاع بينما كنت زائره في السابق ، أصبحت أنا الآن صاحبة المنزل وهم ضيوفي ، تغيرت نظرة الطفولة ، لنظرة المسئولية ، لم أعد الفتاة التي تأمر ، أصبحت حياتي تشكل علي كيفي .
يمكن تكون هذه من أهم الأسباب التي جعلتني أتقبل الموضع الراهن ، لحين الخروج منه بأقل الخسائر ، فوعد رامي لم ينكس ، كان يردده باستمرار وهذا ما جعلني أشعر بالأمان .
وفي عصر أحدي أيام الجمعة ، رن الجرس فكرته رامي نسي شيء ، فهو اعتاد علي رن الجرس وأنا أفتح له ، وإن غيبت أكون منشغلة أو نائمة ، فيدخل هو ولا يقلقني .
فتحت الباب لأجد أمي أمامي ، ارتبكت كثيرا ً فهذا ليس موعدها ، اعتادت أمي علي زيارتي كل سبت .
لما غيرت موعدها وجاءت الآن ؟ ، الساعة وقتها الثالثة ظهرا ًً، ورامي أنصرف للذهاب لصديقه عزت كي يذهبوا لشراء بعض الأفلام والمقبلات لسهرت المساء .
وأنا منشغلة في المطبخ أعد الغذاء ، تذكرت وقتها أنني لم أرتب غرفة الضيوف بعد ، تمنيت وقتها آلا تدخل فباب الغرفة مفتوح .
ـ مرحبا ً أميرة كيف حالك ؟.
ـ الحمد لله .. كنت أعد الغداء .
ـ كنت في بيت عمك .. وفكرت في المرور عليك ِ والاطمئنان عليك ِ .
ـ أنا .. الحمد لله .
ـ هيا ندخل للمطبخ ونكمل حديثنا وأنت ِ تكملي الطبخ .
ـ لا لنجلس هنا حتى لا تعلق رائحة الطعام بك ِ .. كما أنني انتهيت تقريبا ً .. وهديت النار .
" لم يكن يهم أن يحترق الطعام ، المهم آلا تدخل وتري الغرفة ".
ـ لا سأدخل وأري طعامك .. لأري هل تجيد الطبخ أم لا .. ربما أنتظر وأتناول الغذاء معكم .
ـ تنوري .
" ثواني وكانت في المطبخ ، حمدت الله أنها لم تراها ، تفكري كان منشغل بالتملص منه وإغلاق الغرفة ."
ـ أمي ثانية سأذهب لأحضر المحمول .. رما اتصل بي رامي ولم أسمعه .
ـ انتظري سأحضره لكي وأنتي اهتمي بالطعام .
ـ ماما لا يهم الآن .
ـ أميرة ما هذا .. أنت ورامي تشاجرتم .. لما ملابس نوم رامي هنا .
ـ لم نتشاجر .. الأمر وما فيه أن رامي كان يعمل طول الليل .. يكمل مشروع ذهب ليسلمه هذا الصباح .. فلم يشأ إيقاظي لو نام بجانبي .. فنام بالغرفة الآخرة .. لو أنك لا تصدقيني اسألي رامي .
ـ لن أسأل أحد .. حافظي علي بيتك ولا تجعلي شيء يهدمه .. لقد اخترنا رامي لمعرفتنا أخلاقه .. سيحافظ عليك من نسمة الهواء .. فحافظي أنت عليه .
ـ صدقيني أعرف .. أنتي توصيني علي زوجي .
" هذه كانت أول مرة أقولها ولا أعرف السبب " فقالت أمي :
ـ لا تتعاملي علي أنه زوجك فقط .. تعامل معه علي أنه حبيبك وصديقك وكل ما لك ِ في الحياة .. المهم سعادته والباقي يستبخل حتى لو كنا نحن .. المهم هو .
" لم أصدق ما تقوله ، ألهذه الدرجة يجب أن يكون الزوج بالنسبة للمرأة " فأكملت أمي :
ـ في البداية كنا نحن الأهم .. أم الآن هو الأهم .. هو فارسك المتلألئ .. ويجب أن يظل هكذا .. لو أنطفي نوره .. يعني فشلتي في إسعاده .. ولو نجحتِ ستجدي نفسك متلألئ وتمسك النجوم بأصابعك .. تسهري بصحبة القمر .. لينير أسعد أيامك .. أجعلي حياتك نورها بدر .. ولا تجعليها محاق .
فكلما أعطيته حبك .. أعطاك ِ عمري وتفنن في إسعادك .. لا تبخلي في الحب والسعادة ، اجعلني من نفسك نهر متدفق لا ينفذ أبدا ًً .
حسنا ً سأتركك لتكملي الطبخ وأنا أعود .. فوالدك ينتظرني .. سنذهب لتناول غذاءنا في مطعمنا المفضل .. بعدها سنسافر في رحلة لخمس أيام نحتفل بعده بمرور ثامنة وعشرين عام علي زواج .
ـ مبروك أمي .. إلي أين ستذهبنا ؟.. للفيوم .. أليس كذلك .
ـ أجل هذا أول مكان رأيت فيه والدك .. كنت أتجول بين الخضرة وهو يركب حصان ويهرول به .. حينما رأيته تعلق قلبي به .. كلما أبتعد عنا فر قلبي مني .. ولم يعد إلا حينما التقينا في الفندق وتعرفنا علي بعضنا .
ومن وقتها ولم يفرقني أبدا ً .. قلبي معه .. وقلبه معي .. أنفسنا تصعد في نفس الوقت .. دقات قلوبنا تتلاحق لتحلق بالأخر .. عيوننا لا تنغلق إلا ونحن مشبكين الأيدي .
ـ أمي لم أعرف أنك تحبي أبي لهذه الدرجة .
ـ لم أنك أخبرك عن هذا الكلام من قبل لأننا تربينا علي كتمان حبنا .. ولكن لم يعد هذا الزمن يحتاج الصمت .. بل يحتاج الكلام والبوح بما يكمن في النفوس .
حسنا ً أراك ِ بعد خمسة أيام .. فكري في كلامي .. وقتها ستري العالم من منظور أخر .
" رحلت وتركتني أفكر في كلامها ، لما أخبرتني بهذا الكلام الآن ، هل تعرف شيء ، وإن لم تعرف ماذا تقصد هل تردني أن أصبح كما قالت .
لا مستحيل كيف وأنا لا أحب رامي ، هو بالنسبة لي أخي ، لكن ليس كذلك ، بل كذلك ، ستمر الأيام وننفصل وكل منا يبني حياته .
ابني حياتي مع من ، وهو مع من سيبني ، كيف سأجد شاب في مثل أخلاقه وطباعه ، هو يفهمني وأنا أفهمه ، ليس سأجد لم ينقرض الشباب . "
ـ كفاني تفكير سأذهب لأكمل الطبخ .


.................................


حاولت أشغل نفسي بإكمال الطبخ ، لكن عقلي لم يكن يتوقف عن التفكير في كلامها .

دقت الخامسة ولم أشعر بالوقت ، عقلي سينفجر ، ولا أستطع وقف أصابعي عن الارتعاش ، وعيوني عن الشرود في عقرب الساعة وهو يدور .
ـ أميرة ما بك ِ ؟.. ألم تسمعي جرس الباب .. لقد وقفت كثيرا ً أمام الباب .. لدرجة أنني ظننت أنك خرجت ِ .
ـ لم أسمعه قط .. أعتذر .. هل حضر معك "عزت ".
ـ لا سيحضر في الثامنة .
ـ لما لم يحضر معك ألم نتفق علي تناول الغذاء معا ً؟.
ـ لقد اتصلت "أرمينيا " وذهب لرؤيتها .
ـ هل وافقت علي الرجوع إليه ؟.. مرت ثلاث أشهر علي شجارهم .
ـ لم تقل سوي تريد مقابلته ضروري .
ـ يا ريت تكون فكرت وقررت ترجع .. لا أفهم سبب الخلاف .. لم يرزقها الله بنعمة الإنجاب وهو راضي بقسمة الله .. ومع ذلك تريد تركه .. مع أنها عي العلم أنها ممكن آلا تجد من يحبها مثله قط .
ـ تفكر من منظور .. عيبي أتحمله لا ذنب لأخر يتحمله .
ـ لكن الأخر حبيبها .
ـ هي لا تفكر هكذا .
ـ أنا وأنت نحب بعضنا كأخوة وأصدقاء .. ومع ذلك ظللنا معا ً حتى نجتاز الصعاب .
ـ ليست حياتنا كحياتهم .. المشكلة مختلفة .
ـ أحيانا ًكثرة من كثرت اليأس أخاف من نفسي .. أخاف من التهور وفعل أي شيء .
ـ أميرة ما الأمر ؟..لما وجهك شاحب .
ـ لا شيء .. خائفة بعض الشيء .
ـ ماذا حدث لكل هذا ؟.
ـ لقد كانت أمي عندي منذ ساعتان .. تحاكينا قليلا ً ثم انصرفت .. سافروا للفيوم لاحتفال بالذكري السنوية لعيد زواجهم .
ـ هذا فقط .. ما بك ؟.. هل أخبرتك شيء أحزنك ؟.
ـ لا شيء .. سأعد الطاولة حالا ً .
تحركت حاملة طبق الأرز ، فأمسك بيدي وجذبني :
ـ أميرة ما الأمر ؟.. هيا أخبريني .
ـ لقد عرفت أمي بأنك نمت بالأمس في غرفة الضيوف .. رأت السرير والملابس .
ـ يا الله .. وماذا قلتي لها ؟.
ـ أخبرتها أنك كنت تعمل لوقت متأخر ولم ترد إيقاظي .
ـ وهل صدقتك ؟.
ـ في البداية ظنت أننا تشاجرنا .. لكن في النهاية صدقت .. لكني خائفة كثيرا ً .
ـ خائفة آلا تكن صدقتك .. أليس كذلك ؟.
ـ أجل رغم كوننا نريد إنهاء هذا الزواج بأي شكل .. ولكن ليس بهذه السرعة .
ـ أميرة أترك ِ الله يرسم لنا الطريق .. فعلنا ما نستطع .. والباقي ليس بأيدينا .
ـ معقول تكون حامل ؟.
ـ من تقصدي ؟.
ـ أرمينيا .. معقول .
ـ لكن الدكتور قال نسبة الأمل ضعيفة من ناحيتها .
ـ لكنه لم يقل معدومة .. ليس هناك مستحيل بيد الخالق .. رامي ماذا سنفعل لو مر الوقت و سألونا لما لم ننجب أطفال ؟.
ـ لا أعرف .. أتركي الأمر لوقته .
ـ حسنا ً لقد أنهكت من الجوع .
ـ وأنا أيضا ً رغم أنني فطرت مع عزت .. ما هذا الغذاء اليوم غير شكل .. احتفالاً بانتهاء المشروع أليس كذلك ؟.
ـ أجل لقد أنهك قواك .
ـ كفانا كلام .. هيا بنا لنأكل .
.... مرت الساعات ونحن نشاهد التلفاز ، رن جرس الباب ، فأسرعنا لفتح الباب معا ً ، أصبحنا نخف منه ، لنجد أرمينيا بصحبة عزت .
ـ مرحبا ً .. لقد أسعدني رؤيتك كثيرا ً .
فقالت أرمينيا :
ـ لقد أصر عزت علي قدومي معه .
فقال رامي :
ـ وهذا أحسن شيء .. لنحتفل بعودتكم لبعض .. أليس كذلك .
فقال عزت :
ـ أجل .. لقد عادت إلي ِ لتفرح قلبي المفطور .. ومعها خبر أسعد .. أرمينيا حامل .
فقال رامي :
ـ يا الله .. مبروك .
فقلت :
ـ وكيف عرفت ؟ .. هل أخبرك الدكتور ؟.
فقالت أرمينيا :
ـ أجل .. لقد شرعت شعرت بانتفاخ في بطني .. وكل مدي تكبر .. فقلقت .. فكرت أنني مصابة بمرض ما .. فذهبت لدكتور ليخبرني بأنني حامل في أربعة أشهر .
فقال عزت :
ـ كانت حامل قبلما تتركني .
فقال رامي :
ـ ومن أين كانت ستعرف ؟.. الحمد الله علي ذلك .. لن تتركيه مرة ثانية .. أليس كذلك .
فقالت أرمينيا :
ـ مستحيل أترك روحي .
فقال عزت :
ـ لكنك كنت ستتركينني .
فقالت أرمينيا :
ـ أترك الماضي ليذهب في طي النسيان .. نحن أبناء هذه اللحظة .
تركتهم وتسللت للمطبخ لإحضار المقبلات والعصير ، وبينما كنت أحضرهم وجدت أرمينيا خلفي .
فقلت :
ـ أفزعتني .
ـ لما تركتنا ؟.
ـ جاءت لأحضر العصير .
ـ تحتاج ِ لمساعده .
ـ شكرا ً .. تحدثوا في العمل أليس كذلك .
ـ أجل اعتادت علي الأمر .. وأظن أنك مثلي .. شيء فشيء ستجدي الأمور تسير بمفردها .
ـ عندك حق .
ـ أميرة أريح ِ عقلك من التفكير .. ستمرض ِ صدقيني .
أحاول ولكني لا أستطيع .. كلما جلست بمفردي أفكر في الأمر .. لا أستطع منع نفسي .. الخوف يسيطر علي .
ـ رغم أنني وعزت تزوجنا عن حب .. إلا أن هناك أشياء أحيانا ً تقتحم هذا الحب لتدمر .
من لا يعرفكم يفتكركم عشاق .. لن يصدق أحد أن هذا الحب والعشق .. في عيونكم ونبرة صوتكم حب أخوة .
ـ لكن هذه الحقيقة ولا مفر منها .. لكم أتمني تنتهي هذه التمثلية .
ـ وهل تظني بعدها سترتاح ِ .. فكري في الأمر .
ـ فكرت كثيرا ً ولا أجد حل سوي الفراق .
ـ فكري ثانية ً .. ولكن ليس من منظور أميرة ابنة عم رامي وأخته الروحية .
ـ لا أعرف .
فدخل عزت وقال :
ـ أرمينيا لقد اتصلت والدتك وتريدنا نمر عليها قبلما نعد للمنزل .
ـ حسنا ً هيا بنا .
فقلت :
ـ لكن مازال الوقت باكر .. الساعة العاشرة .. اجلسوا معنا لنكمل الفيلم ثم أذهبوا إليهم .
فقال أرمينيا :
ـ اتركينا نذهب إليهم .. ومرة آخره نأتي ونسهر للصباح .
فقال رامي :
ـ سنترككم فقط من أجل الخبر السعيد .. الخبر الذي انتظره الجميع .
فقال عزت :
ـ وأي انتظار .. خمس سنوات .. من الدموع والألم .. وكلمات تسمم الحياة .
فقلت :
ـ ربنا يسعدكم .
فقالت أرمينيا :
ـ سنلتقي الأسبوع القادم ولكن هذه المرة عندنا .
فقلت :
ـ حسنا ً لك ِ هذا .
انصرفوا وتركونا بمفردنا ، ساعدني رامي في تنظيف المكان ، بعدها تركني ليغير ملابسه وأنا أكملت تنظيف الأطباق .
ـ ما هذا أستنم علي الأريكة كما قلت ؟.. سيؤلمك ظهرك .. نم كالسابق ولا تهتم لأحد .
ـ لا في الأيام القادمة ستأتي والدتك في أي وقت لتتابع أحوالنا .
ـ لكنها ليست هنا لخمسة أيام .
ـ من يعرف ريما ترسل أمي .
ـ وإذا نمت هنا لن يعرف أحد .. بمجرد دخولهم سيجدونك أمامهم .
ـ أولا ً أنا بنزل باكر .. ثانيا ً لو جاء أحد سيري أولا ً من العين السحرية وتخبريني .. وقتها أتسلل لغرفة النوم وأنام بها .
فمن حسن الحظ غرفة المعيشة بجانب غرفة النوم .. وبعيدة عن الباب .
ـ هذا الوضع لا يريحني .
ـ لا تقلق ِ لن يضايقك نومي هنا .. أغلقي بابك عليك ِ .
ـ الأمر ليس فيما تفكر .. فأنا خائفة عليك .
ـ لا تقلق ِ .. أنا مرتاح هكذا .
ـ حسنا ً تصبح علي خير .
ـ تصبح ِ علي خير .

............................................


الأرض غير ممهدة ، والأصوات المخيفة تدوي في الأجواء ، أسير وتتوالي سقطاتي ، أشعر بأني أحمل فوق أكتافي حمل ثقيل جدا ً .

فجأة سمعت صوت قوي جعلني أهرول ، أهرول أشعر بأنفاسه ورائي ، أحاول الهرب منه لكنه لا ، لكنه لا يتركني ورائي كظلي ، فقررت الالتفات ورأيت شبحي ، ألتفت .....
ـ أه ه .
أستيقظ رامي علي صيحتي :
ـ أميرة ما الأمر ؟.. أجيبي لما تصببي عرق هكذا ؟.. أميرة .. ...
ـ لا تخاف ِ أنا بجانبك .. أشربي رشفة ماء .
شكرا ً .. لقد رأيت في منامي ..
وضع يده علي فمي قائلا ً :
ـ لا تروي الحلم حتى لا يتحقق .
سكتت لبرهة لأستفق مبعده يده عني ، شعر بالخجل فهرب مني قائلا ً :
ـ أري أنك بخير الآن .. سأتركك لتكملي نومك .. وإذا احتاجت لشيء أنا مستيقظ .
ـ شكرا ً .
تركني وعاد للنوم علي الأريكة ، منذ عشر أيام وهو ينام عليها ، رفض ينام كالسابق ، خائف علي من أي كلمة أو موقف من أهلنا .
في السابق كنت أخاف لدرجة الرعب وفرار النوم ، نومه عليها يشعرني بالأمان ، يطرد شعور بالوحدة والرهبة من المكان .
إلا أن نومه هكذا جعله علي مقربه مني ، أقل نفس يسمعه ،مما يجعلني مراقبة .
أحيانا ً ما أفكر إلي متى سيظل الوضع هكذا ، لو ظل ينم هكذا سيؤلمه ظهره ورقبته ويمرض .
شعرت بأنني أخجلته ، بينما أنا من خجلت ، فليس بيده سبب ولا أنا ، السبب ملابسي النوم ، فهذه المرة الأولي التي يراني بقميص النوم .
شعرت بالخجل لرؤيتي بهذا الشكل ، رغم أنه من حقه إلا أنه حق ليس مسرح له ، حق محرم الاقتراب منه .
ارتديت الروب وخرجت إليه ، وجدته جالس ينظر للسقف .
ـ رامي .. أعتذر علي تصرفي .. فلقد خجلت لرأيتك لي بملابس النوم .
ـ لا عليك .. هذا حقك .. أعتذر علي دخولي هكذا .. لكن صرختك أخافتني .
ـ أنا من يجب عليه الاعتذار .
ـ الاعتذار ليس له مكان بيننا .. كما لا تخجلي مني .. فأنا لم أري شيء .. كل همي كان أنتي .. وليس ما ترتدي .
شعرت حينما قال ذلك بالخجل من نفسي ، كيف أحرجه هكذا وأقلل من شئنه ، هو لا يهتم بي ولا بشكلي ، مازال متمسك بوعده ولم ينكسه ، لست سوي ابنة عمه وأخته الروحية .
نظرت إليه لأكمل كلامي معه لأجد نائم ، لقد نام وهو جالس يحدثني ، وقفت وكنت سأتركه هكذا ، لكنه صعب علي ِ ، كيف أتركه هكذا وهو خاف علي من صرخة .
اقتربت منه بهدوء ، أملت جسده رويدا رويداً علي الأريكة ، ثم رفعت قدمه ويداها وغطيته .
وقفت أنظر إليه ، فهذه أول مرة أراها نائم ، رغم كوننا متزوجين منذ أكثر من شهر ، إلا أنني لم أراها هكذا قط ، كنت أطرق قبل دخولي .
للحظة تركت يدي تلامس يده ، شعرت بشعور غريب لم أشعر به من قبل ، فهرولت لغرفتي وأغلقت الباب .
أويت للفراش وأطفأت الأنوار ، غطيت رأسي خوفا ً من الكابوس المخيف إلي أن خلدت للنوم .

.........................................


ـ صباح الخير .

ـ صباح الخير .
استيقظت منذ زمن .
ـ منذ ربع ساعة واعتدت الفطور .. هيا لتفطري معي .
ـ لم أستطع الاستيقاظ باكرا ً .. لقد كنت منهك بالأمس .
ـ ذكرتني .. أذكر أننا كنا نتحدث .. كيف نمت وغطيت نفسي .. لا أذكر .
ـ لقد نمت وأنت تحدثني .. فأملت جسدك وغطيتك .
شكرا ً .. وأعتذر كنت متعب كثيرا ً .. منزل هذه السيدة يتعبني كثيرا ً .
ـ أليس هذا المنزل الذي جهز عزت ديكوره لكنه سافر قبل أتمامه .
ـ أجل .. لو لا فرحته بحامل أرمينيا لما أخذت عمله .
ـ لما ؟.. أليست المخططات جاهزة .
ـ أجل ولكنها تقريبا ً غيرت كل شيء .
ـ وهذا عادي .. هذه ليست أول مرة يتغير مخطط بعد أعداده .
ـ هذه المرأة غريبة .. لم أري سيدة لا تخجل مثلها .. تخجلني كثيرا ً .
ـ ماذا تفعل لتخجلك ؟.
ـ ترتدي ملابس شفافة .. وتتحدث بنعومة .. تتمايل وأحيانا ً تتراقص مع الموسيقي .
ـ أنت بشتغل وهي بترقص .
ـ هي من ترقص وليس أنا .
ـ ولما تشاهدها ؟.. لما لا تترك العمل ؟.
ـ أرغب في ذلك .. ولكن ماذا سأقول لعزت ؟.
ـ أخبره ما حدث .. هذه المرة ترقص هي .. من يعرف في المرة المقبلة ماذا ستفعل ؟.. ربما المرة القادمة تعد للبيت مخمور .
ـ ماذا مستحيل ؟.. سأذهب اليوم وأجمع أغراضي .. وأحاول توضيب المنزل لتكمل حياتها .. وحينما يعد عزت يكمل الباقي .
ـ هذا أحسن .
ـ حسنا ً أتريد شيء وأنا قادم .
ـ عد باكر لتتناول الغذاء معي .
ـ حسنا ً .. ألي اللقاء ..

.........................


تركني وذهب لهذه السيدة ، سيدة غريبة رغم بلوغها الأربعين إلا أنها لم تتزوج بعد .

تعش في منزل ما كبير بمفردها ، منذ رأت عيني النور وأنا لا أذكر أنني رأيتها برفقة أحد ، دائما ً بمفردها ، بلا أهل ولا أصدقاء .
كثيرا ً ما كنت أفكر في السبب ، والنتيجة الوحيدة التي توصلت لها ، شكلها .. أجل فلمي ينعم الله عليها بالجمال ، شكلها عادي ولكن ممكن يكون السبب .
دقت الخامسة ولم يحضر بعد ، مؤكد الجلسة مع السيدة صافي أعجبته كثيرا ً ، النعومة والملابس الشفافة أحسن من جلسة عادية ، لا تحوي أي نوع من الأنوثة ، الرجل هو الرجل مهما كانت أخلاقة .
دق الباب فأسرعت لأفتحه وأنا أقول :
ـ لما تأخرت هكذا ؟.
فتحت لأجد صبي فنظرت له وقلت :
ـ ما الأمر ؟.
فقال الصبي :
ـ لقد أخذوا أستاذ رامي للمشفي .
ـ لما ؟ .. ماذا حدث ؟.
فقال الصبي :
ـ لقد شب حريق في منزل السيدة صافي .. وهي بخير لكن أستاذ رامي أخذوا للمشفي .
أغلقت الباب وعيوني شاردة تائهة:
ـ أخبرتي أنه سيوضب أغراضه .. وليس سأحرق المنزل .. ماذا حدث ؟.. ماذا حدث ؟.. ماذا ؟.. ماذا ؟..
ـ يكفي سأذهب لأعرف ماذا حدث ؟.
أسرعت للمشفي لأجد والداي ووالداي رامي هناك :
ـ ما الأمر ؟ .. كيف حاله ؟ .. ماذا حدث أحد يخبرني ؟.
فقال عمي :
ـ هو بخير .. لقد أختنق بسبب الحريق .. ظل لوقت طويل بداخل المنزل .
ـ ولكن ما سبب الحريق .
فقال عمي :
ـ لا نعرف .. يرفض التحدث معنا .. والسيدة صافي لا تكف عن ترديد الإشاعات .
ـ ماذا تقول هذه السيدة ؟.
فقالت أمي :
ـ لا شيء .
فقالت أمي :
ـ لقد قالت أن رامي حاول الاعتداء عيها .. وأحترق البيت بينما كانت تحاول الهروب منه .
ـ ماذا ؟.. مستحيل .. رامي لا .
تركتهم ودخلت لأجده ممد علي السرير ، غارق في نومه ، عيونه مدمعة ، جلست بجانبه انتظره ليستيقظ ويخبرني بما حدث .

.........................................


جلست ساكنة أشتعل غاضبا ً ، ألهذه الدرجة لم أعرفه ، معقول يتهور ويفعل ما تقوله هذه السيدة .

كيف يفعل ذلك معها ؟ ، هو لم يحاول ولو لمرة ينكس بوعده معي أبدا ً ، ماذا حدث معه ؟ ، معقول وجد فيها ما لم يجده معي .
حاولت جعله يترك صمته لكنه رفض ، يومان مروا دون أن يلفظ كلمة ، والأكثر غرابة والداي بسبب رفضه ظنوا أنه أرتكب ما تقوله .
عزف أهله وأهلي عن المجيء بسبب صمته ، فرامي بالنسبة لهم ألحقهم بالعار ، صدقوا شائعة هذه السيدة .
لكن معقول يكون حاول .. ، لا مستحيل ليس هذا رامي الذي أعرفه ، ربما لم أعرفه قط .
رفضت الرجوع للبيت وتركه بمفرده في المشفي ، ظللت بجانبه جالسه علي الكرسي أحملق فيه ، عيوني مثبته عليه ، أسمع أنفاسه كأنها منبعثة مني .
كنت مجبره علي العودة ، لأغير ملابسي وأحضر له ملابس يرتدها حينما يتعافي ليخرج بها .
بدلت ملابسي بسرعة ، بحثت عن حقيبة ، فتحت الدولاب لأول مرة لأختار له ما سيرتدي ، كنت أري ملابسه للوهلة الأولي .
وضعتها في الحقيبة ، حاولت أختار عطر ، اشتم عطره لأختار وقتها شعرت بأنه يدور حولي ، انتابني نفس الشعور حينما تتلامس أصابعنا .
رن جرس الباب فأسرعت لأجد أمي :
ـ ماما ما الأمر ؟.. لابد من عودتي لرامي قبلما يستيقظ .
ـ حسنا ً سأخبرك ما أريد .. لعلك وقتها لا تذهبي إليه .
ـ ما الذي سيجعلني أعزف عن الذهاب إليه .
ـ لقد تحدثت مع والدك .. لقد قررنا تنفصلي عن رامي ..لقد خدعنا فيه .. لم يكن هذا رامي الذي رغبنا فيه لكي .
فصحت في وجهها وقلت :
ـ أميرة تزوجي رامي .. أميرة ستنفصل عن رامي .. ليس لدي أي رأي .. لعبة في يدكم .. حكمتم عليه قبلما تستمعوا له .
ماذا تعرفي عن رامي لتقولي خدعت فيه .. ماما أتركني أذهب لرامي .. من اليوم لم أعد لعبة في يدكم .
حملت الحقيبة وتركتها ورحلت ، حاولت إيقافي لكني لم أقف ، أكملت طريقي ولم أنظر ورائي .



...................................


أسرعت للمشفي كي أكون أول من يراها ، لكن عقلي لم يكف عن التفكير ، ربما هذه هي الحقيقة ، صمته ورفضه الكلام ، معقول تكون صادقة في كلامها .

كيف لا تكون صادقة ، تكذب وتثير هذه الشائعة بأي غرض سوي لو كانت حقيقة .
ولما لا تكون كذبة ، هي من كانت تلاحقه ،عيونها لم تتوقف عن ملاحقته، كلماتها الناعمة يصعب تحملها، وتميلها بلا خجل، لا تعرف الحياء، وملابسها تفتقر الوقر.
هذا كلام رامي ، لعله كان هو الكاذب وليس هي ، ولكن ما سبب كذبة علي ، لعله أراد أشك فيه كي ينفصل عني .
مؤكد تعب من التمثيل ، يريد زوجة حقيقة تحبه ويحبها ، ليس مجرد عقد علي ورق .
جاء اليوم الموعود، أخر لقاء نتج عنه كارثة، كارثة ستخلصني من تمثيل الزواج.
وصلت لغرفته لتنتهي المباراة بين قلبي وعقلي ، لأستمع لعزت يتحدث مع رامي :
بعد حدوث هذه الكارثة .. سيكون لدي أميرة فرصة لتتخلص مني .. أتمني من قلبي أن تجد من تحبه ويحبها .
ـ ولما أنت متأكد أنها ستترك .. ربما تحبك كما تحبها .
فهمست :
ـ رامي يحبني .. معقول .. لم يصرح لي أبدا ً .
فأكمل رامي كلامه :
ـ لو كانت تحبني لكانت سمحت لي بالتقرب منها .. كانت تبحث عن أي شيء يبعدها عني .. لما كانت منعتني حتى من ملامسة يدها .
لقد فرحت بنومي علي الأريكة لأكون بالقرب منها .. أم هي كانت مستاءة لقربي منها .
هي محقه كل منا ظن أن الأخر أخ له .. وعدنا بعضنا نظل هكذا .. لم نأخذ في اعتبارنا تغير الأوضاع .
لم أكن أعرف أن قربي منها أيقظني .. أدركت أنني كنت أحبها منذ صغرنا .. وتحاول حبي لها عشق بالقرب أكثر .
سابقا ً لم أراها قط شابة .. عروس .. أم بعدما عشقتها بدأت أهوي النظر لعيناها .. لكن من خلال صورة جامدة .
لم أكن لأنكس بوعدي .. حتى رغبة الاطمئنان عليها وهي نائمة كنت أمنع نفسي منها .. ليس ضعف .. أنما لأظل في عينها الأخ الصادق .
لم أكن أتهور حتى بعرض حبي عليها .. لقد تخلي والداها عنها وألقوا بها في عرين الأسد كما تظن .. فماذا سيحدث لها لو تخليت عنها أيضا ً .
أفضل أكون أخ في عيونها علي أن أكون ندل .. سأنفصل عنها وقتها ستجد من يحبها .. رغم أنني لا أتخيل قرب شاب منها .. لكن ليس بيدي حيلة .
ـ تفكير هذا خطأ فادح .. صدقني .. ما دمت تحبها فلتبقي معها .. ربما تحبك مثلما أحببتها .. في شهر عشقتها .. ربما مع الأيام تدرك حبك وتعشقاك .
ـ لم تدرك في شهر مع أني أدركت من أول أسبوع .. الوقت تختلف حسابه بالنسبة لنا ..انتهي الأمر سأخبرها حينما تأتي .
لحظتها شعرت بأن الأرض تهتز ، انقلبت حياتي فجأة ، لم أعد أعرف من أنا وما أريد ،ابتعدت عن الباب حتى لا يراني عزت ، وبعدما رحل دخلت لأطمئن عليه .
ـ مرحبا رامي .. كيف حالك ؟.
لم يجيب علي فقلت :
ـ رامي حدثني .. أرجوك لم أعد أحتمل .
فقال بوجه عبوس ، ونبرة متحجرة :
ـ ماذا تريدي مني ؟.. لم يعد هناك أمر نتحدث فيه .
ـ لا مازال هناك أمر أريد معرفته .
ـ ما تريدي معرفته أن فرصتك لانفصال عني وجدت علي طبق من ذهب .. لن يرفض أحد لو أخبرته برغبتك في تركي .
ـ رامي أخبرني ماذا حدث ؟.
ـ لا يهم الآن .
ـ رامي أخبرني قبلما ينفذ صبري .
ـ أميرة ما بك ِ ؟.. لأول مرة أراك ِ هكذا ؟.
ـ رامي أخبرني .
ـ حسنا ً .. لقد سبق وأخبرتك أنها تجلس تحملق بي .. وبينما كانت جالسه غير مدركه للوقت، تصاعد الدخان من المطبخ.. علي ما يبدو أن الطعام أحترق .
رأيتها تجري والدخان يتصاعد من المطبخ .. أردت الخروج معها لكنها ضربتني علي رأسي .. كنت وعي لكل شيء لكني لم أكن أقوي علي الحركة .
خدشت نفسها بأظافرها .. وجها وذراعيها .. وقطعت ملابسها .. بعدها هرولت خارجه من المنزل تنادي علي أحد ليساعدها وهي تقول النجدة .. رامي يحاول الاعتداء علي ِ .. أمسكوا به .
سمعت أصوات الناس .. حاول أنادي علي أحد ليساعدني .. لكن صوتها كان يعلو صوت بكثير .. تجمعوا حولها ليستمعوا لما ترويه .. مصدقين روايتها الكاذبة ودموع التماسيح .
انتظروا خروجه لكنه لم أخرج .. فكروا أنني خجلنا مما فعلت.. انتظروا لعل الدخان يجبرني علي الخروج لكني لم أخرج .
الدخان بدأ يفقدني قدرتي علي الحركة شيء فشيء .. لم يكن أمامهم سوي الدخول إليه .. بحثوا عن نافذة ودخلوا. فمحاولاتهم لدخول من الباب فشلت.. الباب موصد بقوة.
كسروا الزجاج و قفزوا باحثين عنه.. وقتها كنت أري الأشياء ضباب .. ظنوا أنني فاقد لوعي .. لكني كنت شبه مشلولا عن أبدأ أي حركة .. لعل الصدمة هي السبب .. حملوني وأخرجوني .. جاء الإسعاف وأخذني .
هل تصدقي كلامي ..لم أفعل ما تزعمه هذه السيدة .
همست لنفسي قائلة :
ـ لما فكرت بأنه ممكن يفعل ما قالته ، نحن معا ً بنفس البيت وأنا زوجته مع ذلك ملتزم بعهده معي .. ليس من صفاته الخيانة ولا الغدر.. ألم أعرفه لأنتظر أسمع منه .
ـ أميرة هل صدقني .. نحن أخوة وأنتي تعرفيني .
ـ ممكن لا تقل هذه الكلمة مرة ثانية .. أخاف أن يسمعنا أحد .
ـ حسنا ً .. هل صدقتني .
ـ أجل .. لكن الشك لا أنكر حول أقناعي .. لما تكذب وتلفق هذه الشائعة .. ألا تخف علي نفسها .
ـ لا أعرف هذا ما أحاول معرفته إلي الآن .. أين هي الآن ؟.
ـ لقد استضافها العمدة في بيته إلي أن تخرج ويعرفوا الحقيقة .. فالجميع يصدقوا ما تقوله .
ـ أعرف حتى والداي .
ـ لا من قال هذا .
ـ لا تكذبي علي .. أعرفك جيدا ً .. إذا لم يصدقوا لما لم يحضروا .
ـ والدك مريض .
ـ لا تكذبي .. حينما تفعلي ترتعش يدك .. حتى لو أخفيتها وراء ظهرك .. تعرف أنني الوحيد الذي أعرف .
ـ أليس غريب أن تعرف عني أكثر من والداي .
ـ وأنت أيضا ً تعرف عنى أكثر منهم .
ـ أجل .. هل تذكر مخبأك السري وفق السطح .
ـ أجل والمنزل الذي بنيانها معنا ًمن أغصان النخيل .. كل عام أبدل الأغصان بآخر جديدة .
ـ أليس غريب أن نبني منزل ونحن صغار .. والأغرب أنه لم يعرف عنه أحد رغم كونه في سطحكم .
ـ لأنني الوحيد الذي أصعد له .. فوالدي لا تستطع صعود السلم من قدمها .. وأبي في عالم لا يهمه ما أفعل .
ـ أشعر وكأنني بنت العشرة .. أهرول بين الحقول .. وأحلق مثل الفراشات .
ـ أوعدك حينما أخرج من هنا .. وقبلما ننفصل سأحقق لك ِ هذا الحلم .
ـ لما قبلما ننفصل .. فلنعلها في أي وقت .
ـ ستتغير حياتنا لفترة بعد الانفصال .. كما أن اللقاءات ستكون شبه معدومة .
ـ ماذا وكيف سأطمئن عليك وفتها ؟! .
ـ بالهاتف .
ـ لا أعرف عقلي ليس صافي لأفكر في الأمر الآن .. أترك هذا الأمر لاحقا ً .
يحبني ومعي ذلك كل ما يهمه أنا ، هل يصل الحب لهذه الدرجة من التضحية ، أشعر وكأنني أقر رواية قديمة ، تحكي عن حب منقرض لم يعد له وجود ، حب يجمع الطرفان بالعشق وليس كل منهم في طرف .
حاول أمعن النظر فيه ، كلما حدث ذلك أتعلق به أكثر ، معقول أكن أحبه ولا أشعر ، ولما لا رامي أدرك أنه يحبني دون أن يشعر .
هل يعقل أن نكون عشاق منذ الصغر ولسنا أخوة ، أم أننا أحببنا بعض بالقرب ، هل نجح أهلنا في جعلنا نحب بعض بهذا الزواج ، أجبرنا علي ذلك ، لكن لو كنا أجبرنا وقتها ستكن الحب وقتي وليد القرب فقط .
هل رأي أهلنا ما لم نراها نحن ، رأوا المشاعر والأمان ، الأسرار التي تجمعنا ، الراحة بوجود الأخر ، بريق العيون واهتزاز الصوت ، هل رأوا أعراض الحب التي لم نراها ولم نعرفها .
لما لم يكن عندنا أصدقاء مقربين جدا ً غيرنا ، لما لم نحب ولو لمرة أحد الجيران أو الأصدقاء والعارف ، لما كنا نحن وليس مهم غيرنا .
لقد تعبت من التفكير ، فليأتي القدر بما يريد ، حياتي لم تكن ملكي قط ، فلتقرر ما تراها ، فراق أو اجتماع ، حب أم كره ، أخوة أم أزواج ، لا أعرف أي دور أختار .. لا أعرف .
......................................................






Facebook

0 التعليقات

شارك بتعليقك

خاطرة

خاطرة
Topics:

Test Footer 2

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

.

بحث

الصفحة الرئيسية | جميع الحقوق محفوظة ل موقع علوة يتحدى الملل | 3elwa Yt7dy El-Malel © 2012 | تصميم الفرعون المصري